فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال هنا: {مِن صَلْصَالٍ كالفخار} وقال هناك: {مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [الحجر: 26].
وقال: {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} [الصافات: 11] وقال: {كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [آل عمران: 59] وذلك متفق المعنى؛ وذلك أنه أخذ من تراب الأرض فعجنه فصار طينًا، ثم انتقل فصار كالحمإ المسنون، ثم انتقل فصار صلصالًا كالفخَّار.
{وَخَلَقَ الجآن مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} قال الحسن: الجانّ إبليس وهو أبو الجنّ.
وقيل: الجانّ واحد الجنّ، والمارج اللهب؛ عن ابن عباس، وقال: خلق الله الجانَّ من خالص النار.
وعنه أيضًا من لسانها الذي يكون في طرفها إذا التهبت.
وقال الليث: المارج الشُّعْلة الساطعة ذات اللهب الشديد.
وعن ابن عباس أنه اللهب الذي يعلو النار فيختلط بعضه ببعض أحمر وأصفر وأخضر؛ ونحوه عن مجاهد؛ وكله متقارب المعنى.
وقيل: المارج كل أمر مرسل غير ممنوع، ونحوه قول المبرد؛ قال المبرد: المارج النار المرسلة التي لا تمنع.
وقال أبو عبيدة والحسن: المارج خلط النار، وأصله من مرج إذا اضطرب واختلط؛ ويروى أن الله تعالى خلق نارين فمرج إحداهما بالأخرى، فأكلت إحداهما الأخرى وهي نار السموم فخلق منها إبليس.
قال القُشَيريّ: والمارج في اللغة المرسل أو المختلط وهو فاعل بمعنى مفعول؛ كقوله: {مَّاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] و{عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] والمعنى ذو مرج؛ قال الجوهري في الصحاح: و{مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} نار لا دخان لها خلق منها الجان.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
قوله تعالى: {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} أي هو رب المشرقين.
وفي الصافات {وَرَبُّ المشارق} [الصافات: 5] وقد مضى الكلام في ذلك هنالك.
قوله تعالى: {مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ}.
{مَرَجَ} أي خَلَّى وأرسل وأهمل؛ يقال: مرج السلطان الناس إذا أهملهم.
وأصل المَرْج الإهمال كما تُمْرَج الدابّةُ في المرعى.
ويقال: مَرَجَ خَلَطَ.
وقال الأخفش: ويقول قوم أَمْرَج البحرين مثل مَرَج، فَعَل وأَفْعَلَ بمعنًى.
{البحرين} قال ابن عباس: بحر السماء وبحر الأرض؛ وقاله مجاهد وسعيد بن جبير.
{يَلْتَقِيَانِ} في كل عام.
وقيل: يلتقي طرفاهما.
وقال الحسن وقتادة: بحر فارس والروم.
وقال ابن جريج: إنه البحر المالِح والأنهار العذبة.
وقيل: بحر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهما.
وقيل: بحر اللؤلؤ والمرجان.
{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} أي حاجز فعلى القول الأوّل ما بين السماء والأرض؛ قاله الضحاك.
وعلى القول الثاني الأرض التي بينهما وهي الحجاز؛ قاله الحسن وقتادة.
وعلى غيرهما من الأقوال القدرة الإلهية على ما تقدّم في (الفرقان).
وفي الخبر عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أن الله تعالى كلّم الناحية الغربية فقال: إني جاعل فيك عبادًا لي يُسبِّحوني ويُكَبِّروني ويهلِّلُوني ويُمجّدوني فكيف أنت لهم؟ فقالت: أُغرقُهم يا ربّ. قال: إني أحملهم على يدي، وأجعل بأسك في نواحيك ثم كَلّمَ الناحية الشرقية فقال: إني جاعل فيك عبادًا لي يُسبِّحوني ويكَبِّروني ويهلِّلُوني ويمجِّدوني فكيف أنت لهم؟ قالت: أسبِّحكَ معهم إذا سَبَّحوكَ، وأكبّرك معهم إذا كبروك، وأُهَلِّلكَ معهم إذا هَلَّلُوكَ، وأُمَجِّدُك معهم إذا مجَّدوك؛ فأثابها الله الْحِلية وجعل بينهما برزخًا، وتحوّل أحدهما مِلحًا أُجَاجًا، وبقي الآخر على حالته عذبًا فُرَاتًا» ذكر هذا الخبر الترمذيّ الحكيم أبو عبد الله قال: حدّثنا صالح بن محمد، حدّثنا القاسم العمريّ عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة: {لاَّ يَبْغِيَانِ} قال قتادة: لا يبغيان على الناس فيغرقانهم؛ جعل بينهما وبين الناس يَبَسًا.
وعنه أيضًا ومجاهد: لا يبغي أحدهما على صاحبه فيغلبه.
ابن زيد: المعنى {لاَّ يَبْغِيَانِ} أن يلتقيا، وتقدير الكلام: مرج البحرين يلتقيان، لولا البرزخ الذي بينهما لا يبغيان أن يلتقيا.
وقيل: البرزخ ما بين الدنيا والآخرة؛ أي بينهما مدّة قدرها الله وهي مدّة الدنيا فهما لا يبغيان؛ فإذا أذن الله في انقضاء الدنيا صار البحران شيئًا واحدًا؛ وهو كقوله تعالى: {وَإِذَا البحار فُجِّرَتْ} [الانفطار: 3] وقال سهل بن عبد الله: البحران طريق الخير والشر، والبرزخ الذي بينهما التوفيق والعصمة.
قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} أي يخرج لكم من الماء اللؤلؤ والمرجان، كما يخرج من التراب الحبّ والعصف والريحان.
وقرأ نافع وأبو عمرو {يُخْرَجُ} بضم الياء وفتح الراء على الفعل المجهول.
الباقون {يَخْرُجُ} بفتح الياء وضم الراء على أن اللؤلؤ هو الفاعل.
وقال: {مِنْهُمَا} وإنما يخرج من الملح لا العذب لأن العرب تجمع الجنسين ثم تخبر عن أحدهما؛ كقوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الجن والإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ} [الأنعام: 130] وإنما الرسل من الإنس دون الجن؛ قاله الكلبي وغيره.
قال الزجاج: قد ذكرهما الله فإذا خرج من أحدهما شيء فقد خرج منهما؛ وهو كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ الله سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 15] والقمر في سماء الدنيا ولكن أجمل ذكر السبع فكأن ما في إحداهنّ فيهنّ.
وقال أبو عليّ الفارسيّ: هذا من باب حذف المضاف؛ أي من أحدهما؛ كقوله: {على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] أي من إحدى القريتين.
وقال الأخفش سعيد: زعم قوم أنه يخرج اللؤلؤ من العذب.
وقيل: هما بحران يخرج من أحدهما اللؤلؤ ومن الآخر المرجان.
ابن عباس: هما بحرا السماء والأرض.
فإذا وقع ماء السماء في صدف البحر انعقد لؤلؤًا فصار خارجًا منهما؛ وقاله الطبري.
قال الثعلبي: ولقد ذُكر لي أن نواة كانت في جوف صدفة، فأصابت القطرةُ بعض النواة ولم تُصب البعضَ، فكان حيث أصاب القطرة من النواة لؤلؤة وسائرها نواة.
وقيل: إن العذب والملح قد يلتقيان، فيكون العذب كاللقاح للملح، فنسب إليهما كما ينسب الولد إلى الذكر والأنثى وإن ولدته الأنثى؛ لذلك قيل: إنه لا يخرج اللؤلؤ إلا من موضع يلتقي فيه العذب والملح.
وقيل: المرجان عظام اللؤلؤ وكباره؛ قاله عليّ وابن عباس رضي الله عنهما.
واللؤلؤ صغاره.
وعنهما أيضًا بالعكس: إن اللؤلؤ كبار اللؤلؤ والمرجان صغاره؛ وقاله الضحاك وقتادة.
وقال ابن مسعود وأبو مالك: المرجان الخرز الأحمر. اهـ.

.قال الألوسي:

{خَلَقَ الإنسان مِن صلصال كالفخار}.
تمهيد للتوبيخ على إخلالهم بمواجب شكر النعمة المتعلقة بذاتي كل واحد من الثقلين، والمراد بالإنسان آدم عند الجمهور.
وقيل: الجنس وساغ ذلك لأن أباهم مخلوق مما ذكر، والصلصال الطين اليابس الذي له صلصلة، وأصله كما قال الراغب تردد الصوت من الشيء اليابس.
ومنه قيل: صل المسمار، وقيل: هو المنتن من الطين من قولهم: صل اللحم، وكأنه أصله صلال فقلبت إحدى اللامين صادًا ويبعد ذلك قوله سبحانه: {كالفخار} وهو الخذف أعني ما أحرق من الطين حتى تحجر وسمي بذلك لصوته إذا نقر كأنه تصور بصورة من يكثر التفاخر، وقد خلق الله تعالى آدم عليه السلام من تراب جعله طينًا ثم حمأ مسنونًا ثم صلصالًا فلا تنافي بين الآية الناطقة بأحدها وبين ما نطق بأحد الآخرين {وَخَلَقَ الجان} هو أبو الجن وهو إبليس قاله الحسن، وقال مجاهد: هو أبو الجن وليس بإبليس، وقيل: هو اسم جنس شامل للجن كلهم.
{مِن مَّارِجٍ} من لهب خالص لا دخان فيه كما هو رواية عن ابن عباس وقيل: هو اللهب المختلط بسواد النار، أو بخضرة وصفرة وحمرة كما روى عن مجاهد من مرج الشيء إذا اضطرب واختلط، و{مِنْ} لابتداء الغاية، وقوله تعالى: {مّن نَّارٍ} بيان لمارج والتنكير للمطابقة ولأن التعريف لكنه عليه فكأنه قيل: خلق من نار خالصة، أو مختلطة على التفسيرين، وجوز جعل {مِنْ} فيه ابتدائية فالتنكير لأنه أريد نار مخصوصة متميزة من بين النيران لا هذه المعروفة، وأيًا ما كان فالمارج بالنسبة إلى الجان كالتراب بالنسبة إلى الإنسان، وفي الآية رد على من يزعم أن الجن نفوس مجردة.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} مما أفاض عليكم في تضاعيف خلقكما من سوابغ النعم.
{رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} خبر مبتدأ محذوف أي هو رب الخ، أو الذي فعل ما ذكر من الأفاعيل البديعة رب مشرقي الشمس صيفًا وشتاءًا ومغربيها كذلك على ما أخرجه جماعة عن ابن عباس.
وروى عن مجاهد وقتادة وعكرمة أن {المشرقين} مشرقًا الشتاء ومشرق الصيف، و{المغربين} مغرب الشتاء ومغرب الصيف بدون ذكر الشمس، وقيل: المشرقان مشرقا الشمس والقمر، والمغربان مغرباهما.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن {المشرقين} مشرق الفجر ومشرق الشفق، و{المغربين} مغرب الشمس ومغرب الشفق، وحكى أبو حيان في المغربين نحو هذا، وفي المشرقين أنهما مطلع الفجر ومطلع الشمس والمعول ما عليه الأكثرون من مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما، ومن قضية ذلك أن يكون سبحانه رب ما بينهما من الموجودات، وقيل: {رَبّ} مبتدأ والخبر قوله تعالى: {مَرَجَ} [الرحمن: 19] إلخ، وليس بذاك.
وقرأ أبو حيوة، وابن أبي عبلة {رَبّ} بالجر على أنه بدل من [الرحمن: 16].
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} مما في ذلك من فوائد لا تحصى كاعتدال الهواء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كل فصل في وقته.
{مَرَجَ البحرين} أي أرسلهما وأجراهما من مرجت الدابة في المرعى أرسلتها فيه، والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب {يَلْتَقِيَانِ} أي يتجاوران وتتماس سطوحهما لا فصل بينهما في مرأى العين، وقيل: أرسل بحري فارس والروم يتلقيان في المحيط لأنهما خليجان ينشعبان منه، وروى هذا عن قتادة لكنه أورد عليه أنه لا يوافق قوله تعالى: {مَرَجَ البحرين هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان: 53] والقرآن يفسر بعضه بعضًا، وعليه قيل: جملة {يَلْتَقِيَانِ} حال مقدرة إن كان المراد إرسالهما إلى المحيط، أو المعنى اتحاد أصليهما إن كان المراد إرسالهما إليه.
{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} أي حاجز من قدرة الله تعالى، أو من أجرام الأرض كما قال قتادة {لاَّ يَبْغِيَانِ} أي لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية بالكلية بناءًا على الوجه الأول فيما سبق، أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما بناءًا على الوجه الثاني، وروى هذا عن قتادة أيضًا.
وفي معناه ما أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر عن الحسن {لاَّ يَبْغِيَانِ} عليكم فيغرقانكم، وقيل: المعنى لا يطلبان حالًا غير الحال التي خلقا عليها وسخرا لها.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} مما لكما في ذلك من المنافع.
{يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ} صغار الدر {وَالمَرْجَانُ} كباره كما أخرج ذلك عبد بن حميد، وابن جرير عن علي كرم الله تعالى وجهه، ومجاهد، وأخرجه عبد عن الربيع، وجماعة منهم المذكوران، وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس، وأخرج ابن جرير عنه أنه قال: {اللؤلؤ} ما عظم منه {وَالمَرْجَانُ} اللؤلؤ الصغار.